من وثائق تاريخ إمارة آل بن بريك في الشحر
(اتفاقيتان بين النقيب ناجي بن علي بن ناجي بن بريك وآل بني بكر وخُلاقة في يافع سنة 1225هـ)
__________________
أ.د.علي صالح الخلاقي:
__________________
وثيقة رقم(1)
بين آل بن بريك وبني بكر
الحمد لله وحده
تاريخ يوم السبت والنصف شهر ربيع ثاني سنة 1225هـ( ) فقد احتضروا( ) بحضورنا وهما الآتي ذكرهم الصدر الشيخ عبدالله بن عوض بن دينيش البكري وعُقّال بني بكر والسَّيَارة من أصحابهم ومن سار سيرهم، وكذلك الآتي ذكرهما ياقوت حيدر وعبدالرب بن مطر( ) المندخلين( ) والقاطعين على سيدهم الولد النقيب ناجي بن علي ناجي بن بريك، والرَّديم من فوقهم( ) الصدر الشيخ عبدالقوي بن صالح علي ناجي الناخبي بأنهم شلَّوا( ) المذكورين الصدر الشيخ عبدالله عوض دينيش وعُقّال بني بكر وبني بكر ومن سار سيرهم بأنهم تُبْعَه وسُمْعَه وسامعين مطيعين بما صرفهم( ) فيه ناجي بن علي، ولا أحد له تقديم ولا تأخير إلا بما صرفهم فيه على مَنْ كان بَعُدَ وقَرَبَ، يافعي وقبيلي، وحافظين صائنين بما يلوث( ) ناجي علي ومن قال بقوله في خلاء وبلاد وشائم ولائم وصَدِيْق وحليف، خلاف ما صرفهم فيه بالسمع والطاعة، وأمرهم وشورهم ورأيهم لله ولناجي بن علي وأيضاً( ) قُلمتهم( ) من حال يصلون بندر الشحر، قُلمة النفر خمسة قروش( ) شهري وقوتهم الكفاية وزلاجهم( ) عندما يتروحون وتحصل الكفاية فلهم زلاجهم الذي يودِّيهم( ) بيوتهم وساعية إلى بندر شقرة وزَلاج من قوت وكراء وقوت وكسوة العسكر عند وصولهم، كساء الذي يشيِّم( ) ناجي بن علي بن بريك وأيضاً لناجي بن علي قيوس( ) وثيقة الذي ترضي الشيخ عبدالقوي بما اختل ويكل من ساحل شقرة ومن قدر الله عليه بمرض أو موت مصروفه جاري من جيز( ) أصحابه لحتى يتروحون.
[ثم جملة غير واضحة المعنى في السطر الأخير]..
وثيقة رقم (2)
بين آل بن بريك وخُلاقة
الحمد لله وحده
تاريخ يوم الثلوث وثمانية عشر ربيع ثاني سنة 1225هـ( ) فقد احتضروا بحضورنا وهما الآتي ذكرهم، وهذا شاهد كريم بيد الأصناء( ) الشيخ حسين بن صالح محُمَّد أحمد الخلاقي( ) وعُقّال خلاقة وآل خلاقة ومن سار سيرهم من الصدر الشيخ عبدالقوي بن صالح علي بن ناجي الناخبي وياقوت حيدر وعبدالرب بن مطره تابعين الولد النقيب ناجي بن علي بن ناجي بن عمر بن بريك بأنهم شلّوا( ) أهل خلاقة الشيخ حسين بن صالح وأصحابه أهل خلاقة في قُلمتهم من حال ما يصلون بندر الشحر إن شاء الله ان للنفر قلمته خمسة قروش عين كل شهر وقُوتهم وكساهم عندما يصلون بندر الشحر، وقوتهم وما يحتاجون عند وصولهم وكسوتهم حال يصلون الشحر جواز( ) ناجي بن علي بن بريك الذي يستيمهم( ) وباروتهم ورصاصهم وفتيلهم وعند مروحهم حل الفسح( ) عند ما يستكفي ناجي بن علي، فللمذكورين زلاجهم الذي يودِّيهم جبال يافع وركوبهم من عيرول( ) إلى شقرة وكراء مشيهم إلى جبال يافع مُوَدَّا( )، ومن حال يصلون ستة أشهر فلا لهم فَسْح، ومن بعد الستة الأشهر الشور برأس ناجي بن علي يفسح والا يمجلس( ) على حسب ما حدَّد القُلمة بأول المسطور، هذا وبَدَيْنَا واندخلنا( ) بما نظم بهذا المسطور، ان نحنا عريفتهم( ) يا الثلاثة الأنفار بما قصر عليهم، جرى ذلك بالرضا والخيرة، والتزموا الشيخ عبدالقوي بن صالح وعَبِيْد الولد النقيب ناجي بن علي بن بريك ان من قدَّر الله عليه موت أو قتل أو مرض فكل ما هو له قُلمة وغير ذلك من جايز( ) أصحابه لحتى يُفسحون وهذا لزم( ) بجنب الولد النقيب ناجي بن علي بن بريك. جرى ذلك والله خير الشاهدين
كتبه نائب الشرع العالي
عبدالحبيب بن أحمد حيدر عزالدين
مع الختم الخاص به
التحقيق والتعليق
هاتان الوثيقتان من أقدم الوثائق التي تُنشر لأول مرة عن تاريخ الإمارة البريكية في الشحر(1165-1283هـ/1751-1866م) وتميطان اللثام عن جوانب خفية من تاريخها الذي ما زال يكتنفه الغموض. ويلزمني الوفاء الاعتراف بأنني حصلت على هاتين الوثيقتين في أرشيف قضاة وفقهاء يافع آل عزالدين البكري، وهما بقلم الفقيه عبدالحبيب بن أحمد حيدر عزالدين البكري الذي كانت له ارتباطات وثيقة وعلاقة حميمة مع كل من أمراء الدولتين الكسادية والبريكية ومع سادة عينات وآل كثير، حيث سمح لي الأخ الفاضل ناصر علي محمد الفقيه عزالدين البكري مشكورا بتصويرهما مع وثائق ومراسلات كثيرة تاريخية خاصة بعلاقة يافع وحضرموت وغيرها، وأَكْبَرتُ فيه روح التجاوب الذي ينم عن وعيه وقناعته بأن مثل هذه الوثائق هي ملكٌ للتاريخ وينبغي أن تخرج من محابسها وأقفاصها وتُوثق وتُنشر لتكون في متناول الباحثين قبل أن تتعرض للتلف أو الضياع، كما يبدو من بعضها، ونأمل أن يقتدي به الآخرون، لا سيما وأن التوثيق الآن أمرٌ سهل لا يتطلب التخلي أو التفريط بأصول الوثائق والاكتفاء فقط بتصويرها مباشرة.
رأيت ضرورة وأهمية نشر الوثيقتين باعتبارهما مصادر تاريخية أصلية تعودان إلى زمن أحداث ذلك العصر، وتقدمان معلومات جديدة مفيدة تسد بعض النقص في تاريخ الإمارة البريكية التي ربما لجأت إلى عقد اتفاقيات مماثلة مع قبائل أخرى من حضرموت ويافع بغرض تعزيز أركانها في مدينة الشحر وما جاورها والدفاع عنها من أية مخاطر محتملة تهددها، كما بينت الأحداث لاحقا.
فالإطار الزمني لهاتين الوثيقتين يعود إلى تلك الفترة التي شهدت تنافساً وصراعاً على التوسع والنفوذ بين الإمارة البريكية، وهي الإمارة اليافعية الثانية التي تكونت في حضرموت بعد الإمارة الكسادية(1115-1299هـ/1703-1881م)، بحكم جوارهما الجغرافي المحصور بين المكلا والشحر ومحيطهما، بل ودارت بينهما معارك ومواجهات لسنا بصدد الحديث عنها، غير أن ما يدفعنا للإشارة إليها هو أن الوثيقتين اللتين بين أيدينا ذات صلة تاريخية بهذا الصراع وحشد كل طرف أنصار ومقاتلين، خاصة من الداخل الحضرمي أو من منطقة يافع، وكما يتبين فأن هاتين الوثيقتين تعودان إلى عشرينات القرن الثالث عشر الهجري، فالأولى مؤرخة في 15 ربيع ثاني سنة 1225هـ/ الموافق 20 مايو 1810م، والثانية في 18ربيع ثاني سنة 1225هـ/ الموافق 23مايو 1810م، وهذه الفترة هي التي برز فيها اسم الأمير القوي النقيب ناجي بن علي بن ناجي بن عمر بن بريك الذي تولى الأمارة بعد تنازل عمه حسين بن ناجي عن الإمارة طوعاً وشهدت الشحر في فترة حكمه جملة من التطورات السياسية والاقتصادية. يصفه مؤلف "نشر النفحات المسكية في أخبار الشحر المحمية" بقوله:"كان ملكاً شجاعاً مقداماً نبيهاً فاتكاً سالكاً طريق العدل ذا نباهة وسخاء وكرم مع سماحة النفس وصلاح الطوية والتفقد الكامل في شأن رعيته وعنده حدس ودهاء في الأمور السياسية" .
كُتبت الوثيقتان باللهجة المحلية ووردت فيهما كلمات ومصطلحات يبدو لنا بعضها غريباً، لكن لها دلالاتها ومعانيها الواضحة في العُرف القبلي، ومع ذلك فقد شاب الوثيقتين الكثير من الأخطاء الإملائية، وقد تدخلنا في تصويبها في النص بما لا يخل بالأصل المنشور للوثيقتين، كما يوجد فيهما تكرار ممل لبعض العبارات والألفاظ ، وعدم وضوح بعض كلمات قليلة وقد اجتهدنا في توضيح معناها لتسهيل فهم النص، من خلال وضع هوامش توضح معاني المفردات العامية بشكل عام.
وإجمالاً فأن عباراتها وألفاظها كانت واضحة دون شك لدى أطرافها في ذلك الزمن، وهذا بيت القصيد من كتابتها حينها، فقد كُتبت ليس بغرض النشر والتعميم وإنما لتحديد التزامات الأطراف بوضوح تام وباللهجة التي يتحدثون بها وأدت بذلك الغرض من صياغتها.
والوثيقتان متقاربتان بالفترة الزمنية، بفارق ثلاثة أيام بينهما، ومتشابهتان بالنص والمضمون وكاتبهما واحد، هو نائب الشرع العالي الفقيه عبدالحبيب بن أحمد حيدر، وهذا اللقب حصل عليه من سادة عينات الذين كانوا يتمتعون بسلطة روحية طاغية في يافع، وكان هو يحظى بتقدير عالٍ لدى أمراء آل بن بريك وغيرهم، ولمكانته وكبر سنه فأنه يصف النقيب ناجي بن علي بـ(الولد).
حُررت الاتفاقية الأولى يوم السبت، منتصف ربيع ثاني سنة 1225هـ، بحضور الشيخ عبدالله بن عوض بن دينيش البكري وعُقّال بني بكر، كطرف يمثل بني بكر، وهي أكبر بلدة في يافع الجبل، ويمثل (آل بن بريك) كل من ياقوت حيدر وعبدالرب بن مطر، نيابة عن سيدهم النقيب ناجي بن علي ناجي بن بريك وبإشراف المسئول المباشر عنهم الشيخ عبدالقوي بن صالح علي ناجي الناخبي، وتقضي الاتفاقية بما يلي:
- التزام الشيخ عبدالله عوض دينيش وعُقّال بني بكر وبني بكر ومن سار سيرهم بأنهم تُبْعَة وسُمْعَة وسامعين مطيعين بما وجههم فيه ناجي بن علي ولا أحد له تقديم ولا تأخير إلا بما أمرهم به على أيٍّ من كان، بعيد أو قريب َ،يافعي أو قبيلي، وأن يكونوا حافظين صائنين لسمعة ناجي علي مما يلوثها، في أي مكان يتواجدون فيه في خلاء أو بلاد، أو أمام شاتم أو لائم أو صديق أو حليف، خلافاً لما وجههم (صرفهم) فيه بالسمع والطاعة وأن يكون أمرهم وشورهم ورأيهم لله ولناجي بن علي.
- أن يكون راتبهم (قُلمتهم) من حال وصولهم إلى بندر الشحر لكل فرد خمسة قروش شهريا، إلى جانب غذائهم الكافيٍ.
- أن تُدفع لهم تكاليف عودتهم (زلاجهم) عند ما يتروحون بعد الاستغناء عنهم، بما يوصلهم إلى بيوتهم وساعية تنقلهم إلى بندر شقرة، بما في ذلك القوت وأجرة إيصالهم (الكراء).
- للعسكر عند وصولهم الكساء الذي يشرِّف (يشيِّم) ناجي بن علي بن بريك، وعليه التزامات (قيوس) وثيقة ترضي الشيخ عبدالقوي بحدوث أي خلل من ساحل شقرة.
- من قدر الله عليه بمرض أو موت تكون مستحقاته جارية أسوة بأصحابه حتى يعودون(يتروحون).
****
الوثيقة الثانية، مؤرخة يوم الثلاثاء، الموافق 18ربيع ثاني سنة 1225هـ، وهي شاهد كريم بيد الشيخ حسين بن صالح محُمَّد أحمد الخلاقي وعُقّال خلاقة وآل خلاقة ومن سار سيرهم من قبل الصدر الشيخ عبدالقوي بن صالح علي بن ناجي الناخبي ممثلاً للنقيب ناجي بن علي ومعه ياقوت حيدر وعبدالرب بن مطر، وأهم ما تضمنته:
- التزام ممثلي بن بريك للشيخ حسين بن صالح ولأصحابه أهل خلاقة في راتبهم الشهري (قُلمتهم) من حال وصولهم بندر الشحر.
- أن يكون للنفر راتب خمسة قروش عين كل شهر وقُوتهم وكساهم عندما يصلون بندر الشحر، وكذلك تسليحهم (باروتهم ورصاصهم وفتيلهم).
- عند انتهاء العقد أو حالما يستغني عنهم ناجي بن علي فللمذكورين تكاليف إيابهم إلى جبال يافع، بما في ذلك ركوبهم إلى شقرة وأجرة وصولهم إلى جبال يافع.
- لا يحق لهم من حين وصولهم إلى الشحر ولمدة ستة أشهر المغادرة (أي ليس لهم فَسْح)، أما بعد الستة الأشهر فالقرار بيد ناجي بن علي إما أن يسمح لهم بالمغادرة أو يجدد مكوثهم حسب الراتب المحدد في أول الوثيقة (المسطور).
- يؤكد الثلاثة الممثلون لآل بريك، الشيخ عبدالقوي بن صالح وعَبِيْد النقيب ناجي بن علي بن بريك، أنهم القيِّمون بأمر القوم (عرّيفتهم) بما قصر عليهم جراء ذلك بالرضا والخيرة.
- يلتزم آل بن بريك بأن من قدَّر الله عليه بموت أو قتل أو مرض فله راتبه الشهري وغير ذلك أسوة بأصحابه حتى يُسمح بمغادرتهم (يُفسحون).
لا شك أن لجوء الأمير ناجي بن علي إلى عقد مثل هذه الاتفاقيات يؤكد ما قيل عن حنكته ودهائه وفِراسته وبُعْد نظره وحسن تقديره للأمور فبدا بذلك وكأنه يستبق تطورات الأحداث اللاحقة ويحتاط لها ويعد العدة للتحكم بها واحراز النصر. فبعد أقل من عامين من توقيع الوثيقتين، عادت الحرب من جديد مع الكسادي، وتحديدا في عام1227هـ/ 1812م حينما هاجمت السفن الكسادية ميناء الشحر واستولت على السفن الراسية في الميناء التي وصلت من شرق افريقيا محملة بالبضائع لبعض تجار المدينة ، ثم قامت بسحبها إلى ميناء المكلا، واشتبكت مع القوات الكسادية في منطقة "الحرشيات"( ) ، حيث ألحقت بها الهزيمة فانسحبت إلى "البقرين" و"الديس"( ) فاستولى آل بن بريك عليها، ثم تقدمت قواتهم نحو "البقرين" و"الديس" فاستولت عليهما ثم واصلت تقدمها نحو المدينة ، فسيطرت على الحصون المطلة عليها. وبعد ذلك توسط في النزاع بين الجانبين بعض العلويين من آل العيدروس ، وتم الاتفاق على أن تعاد جميع السفن التي استولى عليها الكسادي مع حمولتها لأصحابها التجار في الشحر، ويعود آل بن بريك بقواتهم إلى الشحر( ). وفي ضوء ذلك نستخلص أن بن بريك لم يكن يطمح بالسيطرة على المكلا وإنما أراد تأديب الكسادي على تحرشاته، بدليل استجابته للوساطة وهو في موقع القوة بعد انتصاره الكاسح وحصاره للمكلا وقبول العودة بقواته إلى الشحر.
ومن هنا ندرك أهمية عقد مثل هذه الاتفاقيات التي لم يبتدعها آل بن بريك لتعزيز قوتهم، بل ساروا على نهج من سبقهم ، بما في ذلك آل كثير وغيرهم، واعتمدوا على صلة القرابة في جذب مقاتلين مؤقتين من يافع، حسب الحاجة لذلك كما تنص الاتفاقيتان، إلى جانب اتفاقيات مماثلة ربما أُبرمت مع قبائل حضرمية أخرى، ويلاحظ أن عقد هذه الاتفاقيات قد سبق الاحتكاكات والمواجهات اللاحقة مع الكساديين، الأمر الذي ينم على بُعد نظر النقيب علي بن ناجي واستعداده المبكر لاحتمالات
المخاطر القادمة التي أثبتت الأيام صحتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق