منصور الصبيحي
كالعادة كل ليلةٍ ومن بعد صلاة العشاء، أترك كل شيئ وأداوم أمام الشاشة ولمدّة لا تقل عن ساعتين أنتقل ما بين القنوات الأخبارية والعالمية من قناة وإلى قناة باحثاً عن الجديد والمفيد وأول ما طاله مسمعي اليلة: خبر خلفيّته يضهر لي على شاشة العربية وزير الخارجية اليمني عوض بن مبارك، ومفادهُ بالمعنى عن بشائر يزفّها المبعوثين الأممي جرفتش والامريكي ليندر كينج عن التوصّل إلى تحقيق إختراق يسقط بموجبة قرارات أمميّة بحق الحوثيّن وفتح مطار صنعاء، تمهيداً لتوقيف الحرب ومن ثم الشروع في حوار جدّي نحو مصالحة شاملة.
الصراحة حينها لقيت نفسي أضحك لوحدي بصوتٍ عالٍ ومن شدة الضحك بلغ الصوت زوجتي لتطل برأسها تتأكد ما قد حصل لزوجها من مصيبة أصابته، لتبدا القول: مالك يابن الناس تضاحك نفسك لوحدك هل جننت او قد في جني معك يراودك !؟ كان ردي بل أضحك من ما أسمعهُ وأراهُ أمامي على الشاشة ـ اقتربت هي قليلاً بدافع الفضول والاستغراب وبمساعدتي فِهمت أهميّة الخبر إلا وأراها تلفتت بوجه متجهٌم مردفة بالقول "وأنت أيش حوشك يا جني ما تقول الحمدلله إنّ هذه الحروب ستنتهي ونعيش لنا بسلام وأمان او عادك ما اقتنعت ولا مليّت..خافوا واتقوا ربكم يابشر وياكتاب وياصحافة ويا إعلام وسياسين من هذه الفتن والربشة كل ما استبشرنا خير وقلنا باتهدى شبيتوا نارها من جديد ما كفاكم عاده إلى الآن هذا الي حدث ويحدث.
الصراحة كلامها طلّع لي الحموضة وما كان مني إلا مباشرتها بالقول :هي أسمعي إذا كنت أنا ما قدرت إقنعك انتي هذه الي أمامي بشحمك ولحمك بإن الحوثيين ما هم إلا عبارة عن مأمرة دولية أنتُجت بأيادي داخلية وخارجية ودفع الشعب ثمنها غاليا من خيرة ما يملك من أبناءه ومقدّراته..كيف لي بأن أقنع الغير والناس من حولي بهذا الكلام، هيّا لو سمحتي أخرجي وإغلقي الباب بعدك وتركيني في حالي وشأني قبل ما يتّطور الموقف بيننا إلى أمور أخرى لا سمح الله. ثم غادرت المسكينة بسلام لما رأتني تعصّبت وتركتني اعيش محنة ليلتي وتفكيّري.
فكما يقال إن شرّ البليّة ما يضحك فلم أكن متفاجئ من حدوث هذا الأمر يوما ما فقد توقعت قبله بكثير والدليل أستعرضي لذلك ونقله عبر مقالات عدّة على المواقع والصحف، إيمانا مني بإن ما يجري حولنا ليس إلا واقعاً مزيفاً يهيئ لإنتاج أخر بديل ومختلف عنه، والذي بالفعل بدأت ملامحه ترتسم اليوم بتكثيف الجهود الأممية والدولية نحو إيجاد مخرج آمن من هذا الوضع القائم، فالمحنة التي عصفت بالبلاد من شرقها إلى غربها شمالاً جنوباً لم تكن عابرة او اتت عن طريق الصدفة ولكن من المؤكد إنها بسابق الإصرار والترصّد تحمل بصمات مخابرات عالميّة هيّئت لإيجاد هذا المناخ مستغلة الضرف الذي مرت به البلاد أبان الربيع العربي وبعده.
فالمسألة بالنسبة لها لا تبدأ من الجنوب بمفرده ولا الشمال بمفرده ولكنها قبل ما تستنج الحل الذي يتفق مع رغباتها وأهدافها معتمدة على الأزمات المتكررة التي أصابت البلاد جراء الممارسات الخاطئة، من قبل السياسين واللذين تشرّفت البلاد بهم وبحضورهم وعلى المراحل المختلفة ثم أخذت تستقرئ كل حدث بمفرده ومن وجهة نظر مستترة تتقاطع في جوانبٍ وتتشابك في جوانبٍ أخرى تتفق مرة وتختلف مراراً ومع الأطراف اليمنية المنّظوية في الصراع ذاته لتتمكن بعدها من الزّج بها بمقابلة الحوثين، والأخير ومنذ أفسح لهم الطريق بلوغ صنعاء حتى نالوا جانب من الاعتناء الكامل والتدليل يمتد إليهم ومن حينها، فلم يكونوا منبوذين كما فهم للعامة وللملاء ولكن طرف يجري التعامل معه في غاية من التكتم والسريّة عن طريق وكلاء أعدوا ودربوا لهذا الغرض هم من ساعدوا الحوثين بتأكيد تمسّكهم وتمددهم تحت مظلة الحرب نفسها.
وعلى حسب ما جرى ويجري الأعداد له ويتّم التجهيّز والمجاهرة به حالياً خطوة بخطوة وكل خطوة تمهد لحدثٍ جديدٍ ولخطوةٍ آخرى تليها، من المتوقع بل المؤكد وكما خطط لها سلفاً إنه أخيراً ستثمر الجهود الأممية والامريكية عن توقٌف الحرب وبالتحّول إلى صناعات جيو سياسية بديله بمسارات مختلفة عن ذي قبل، لكنها وإن كانت تصنع سلاما قد لن يكون إلا سلاماً هش ويسير على غِرار مسلك رأسي لا ينهي القضاياء بل يخدّرها ويحولها إلى أمراضٍ مجتمعيةٍ مزمنّة، يتم التعامل معها من قبل السياسبن بحذرٍ وبصبرٍ وآناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق