كتب / محمد مرشد عقابي:
استشهد الفدائي البطل العميد "يسري عبيد حازم الحوشبي" قائد اللواء العاشر صاعقة جنوبي، بالطبع هذا أمر طاعن للروح، لكن ماذا لو كان موت البطل شرطاً للحرية، هل كان سيكون لوجودنا قيمة دون اجتياز هذا الشرط، هي طعنة مؤقتة، لكن هل كان ممكن أن نتفادى طعنة الوقوع في قبضة عصابات إجرامية طامعة لو لم يوجد في أوساطنا أمثال هذا البطل الوطني الثائر، من هنا يكون موتك يا يسري باعث للحرية، إنكسار يعلي من شموخنا الكبير، الآن والغد وما بعدها، وحزن نبيل يشع في ليل الكرامة الطويل.
إن أي موت هو خسارة لا تحتمل، لكن ثمة فرق بين معنى الموت، كما هو الفرق في معنى الحياة أيضاً، إن المعركة التي يخوضها شعبنا اليوم هي معركة من أجل معنى الحياة التي نريد أن نعيشها، وموتنا كذلك هو موت من أجل المعنى، فهناك من يموت بطريقة عادية، ومن يموت عبثاً، وهناك من يمنح موته بعداً ممتداً وخالداً، موتاً ثرياً بالمعنى، يخفف الفاجعة ويهون من فداحة الكلفة.
بهذا المعنى هو موت البطل والمناضل الوطني الجسور القائد الجنوبي "يسري عبيد حازم الحوشبي"، إن موته هو ميلاد للحياة الأخلاقية التي نؤمن بها ويقاتل رجالنا دفاعاً عنها، قتل وهو يدافع عن الحرية وعن الكرامة، استشهد لكي يمنع مشروع احتلالي يستهدف الجنوب ويراد منه التحكم بمصير الشعب دون إرادته، ولا يوجد مفهوم كوني أقدس من الحرية ولا قيمة تستحق التضحية أعلى منها.
هنا يتجلى الفارق الوحيد بين من يموت ومن يستشهد، بين من يفنى بلا أثر ومن يقتل كي يحرس قيمة الحياة من الأنهيار، يغيب كي تواصل الحرية حضورها ولا تسقط قداسة الإنسان في قبضة العدو الذي يقاتل الناس كي يجردهم من حقهم في إختيار نوع الحياة التي يرغبون أن يحيوها.
نحن مدينون لهؤلاء الأبطال الأفذاذ، فالشهيد يسري الحوشبي وغيره من المغاوير هم من صنع مصيرنا، وجوهر مستقبلنا مرتبط بتضحيتهم، لقد تخلى الرجل عن روحه وقرر بحريته الكاملة أن يفتدي حياة جيل كامل من المهانة والقهر والإذلال، شخص مثل يسري لا يعني سوى أنه مملوك لحقيقة مطلقة، حقيقة أكبر من الموت ولا تهابه، حقيقة لا ترى الموت سوى سياسة للحرية، لقد مات العميد يسري عبيد حازم الحوشبي" كي لا نعيش الغد بوجود منقوص، كي لا يأتي ليل حالك ودامس على الجنوب ويقعد شاب في هذا الوطن يسأل نفسه: ما معنى الحياة، وما جدوى أن أعيش بلا حرية.
لقد تحول ذلك الجسد المادي للشهيد "يسري الحوشبي" الذي كان بيننا بالأمس من معنى الجسد العادي كأي فرد في الحياة إلى جسد لامرئي، روح خفية وعابرة للزمان، اختفى جسده من أمامنا وتخلى عن كل معاني الحياة المعاشة، كي تبقى الثوابت والمبادئ الكبرى حاضرة، كي يحمي قواعد الحياة من الإنهيار، ويحرس الغاية النهائية من وجود الإنسان الجنوبي على هذه الأرض.
المجد والخلود للشهيد القائد يسري عبيد الحوشبي، حارس المعنى وصانع المصير، نم ايها العزيز بسلام يا تمثال حريتنا وحامل قيم الأنبياء العظام (الحرية والعدالة وكرامة الإنسان)، وارقد بأمان تحت ظلال معبد الشمس وستظل حضارة وتأريخ وعراقة الجنوب ترفض الإنكسار وأنت حارسها في اليقظة والمنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق