*يافع… حين ينهض التاريخ واقفاً..*
بقلم / أدهم الغزالي
21 ديسمبر 2025م
_________________
يافع ليست اسماً يُذكر عند الحاجة ثم يُنسى ولا صفحة تُطوى بعد قراءتها، هي جزء من قلب الجنوب، من صخره الأول، ومن ذاكرته التي لم تنقطع، في تاريخها لم تكن يوماً على الهامش ولم تتأخر عن المواعيد الكبرى ولا ارتخت أمام التحديات، حين يكون الموقف واضحًا تكون حاضرة وحين يثقل القرار تثبت حيث يجب أن تثبت.
يافع ليست مجرد جبال تعلو الأرض انما هي رجال يعرفون معنى الوقوف ويعرفون متى يكون الصمت خذلانًا، لم تُعرف بالمزايدة ولا بالضجيج لكنها حين تنحاز ، تنحاز بوضوح وحين تختار طريقها تمضي فيه دون التفاف.
عبر الزمن صاغت لنفسها قيمة سياسية وأخلاقية لا تُكسر ولا تقبل الرماديات حين تكون القضايا مصيرية ويُقاس الرجال بميزان الكرامة.
من جبال يافع التي علّمت الجنوب معنى الشموخ خرج رجال الدولة قبل أن تُعرف الدولة وقادة المواقف قبل أن تُكتب الدساتير يافع التي كانت عبر تاريخها سيدة قرارها لم تركع لغازٍ ولم تُساوم على كرامتها حملت مشروعها في صدور أبنائها وحين جاء زمن الجنوب كانت في قلبه لا على هامشه وفي طليعة من دفعوا الثمن دون تردد أو حسابات.
في مسيرة النضال الجنوبي لم تكن يافع يوماً متأخرة عن المواعيد الكبرى في الحراك السلمي كانت صوتاً لا يُشترى وفي ساعة المواجهة كانت بندقية تعرف وجهتها وفي معارك الدفاع عن الأرض والعرض كتبت حضورها بدماء رجالها صفاً واحداً لا يتقدمه طامع ولا يتأخر فيه متخاذل.
اليوم حين تحتشد يافع بكل ثقلها التاريخي والحضاري إلى ساحة العروض بعدن فهي لا تأتي لتملأ فراغًا انما لتملأ موقفًا. حضورها ليس زحاماً عددياً ولكنه إعلان وعي ورسالة سيادية واضحة: أن الجنوب حين يقترب من لحظته الفاصلة فإن يافع تكون في المقدمة لا تنتظر إشارة ولا تبحث عن مكاسب بل تقف حيث يقف الواجب.
هذا الحشد اليوم يأتي بعد أن احتشدت عدن وابين والصبيحة وردفان والحواشب والحوطة وتبن في مشهد جنوبي متسق ومترابط يعكس قوة الوحدة والوعي الشعبي من المهرة مرورا بحضرموت وشبوة وسقطرى.
ان ما تشهده الساحات من المهرة شرقًا إلى باب المندب غرباً ليس تحرّكاً مناطقياً متفرقاً كما يصوره المغرضون ولكنه حراكاً جنوبياً شاملاً موحّد الهدف عبّر فيه الشعب عن قناعته بأن زمن الانتظار قد انتهى وأن قضية الجنوب بلغت لحظتها التاريخية الحاسمة.
هذه الحشود بكل امتدادها الجغرافي وتنوّعها الاجتماعي لا تتحرك بدافع الانفعال أو الشعارات الزائفة بل بوعي سياسي متراكم وهدف وطني جامع: استعادة الدولة الجنوبية وإعلان الاستقلال السياسي الناجز وتحميل القيادة الجنوبية مسؤوليتها التاريخية في ترجمة هذه الإرادة الشعبية إلى قرار سيادي واضح لا لبس فيه ولا تأجيل.
إن الرسالة التي يبعث بها الجنوب اليوم عبر هذا الحضور الواعي والمنظّم، رسالة واحدة لا تتعدد قراءاتها: لا حلول جزئية، ولا مسارات رمادية، ولا إدارة مؤقتة لقضية بحجم وطن، ما يُطلب هو قرار شجاع بحجم التضحيات، يحوّل النضال الطويل من حالة مطالبة إلى واقع دولة، ومن انتظار مفتوح إلى استقلال مكتمل السيادة.
هكذا حين تقف يافع في ساحة العروض اليوم، فإنها تقف ضمن صف جنوبي واحد، موحّد الهدف، ثابت الاتجاه، يعبّر عن إرادة شعب بأكمله ويؤكد أن استعادة الدولة لم تعد خياراً مطروحاً بل استحقاقاً تاريخياً آن أوانه.
دولة تُبنى على الإرادة وتُحمى بالموقف ويُعلنها تاريخٌ آن أوان أن ينهض واقفًا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق