الأمن أولا والأمن أخيرا*
د. عيدروس نصر ناصر**
مرة أخرى تبرز القضية الأمنية في العاصمة عدن (وبالتأكيد في المناطق المجاورة لها) باعتبارها أولوية لا أولوية قبلها، فبالأمن يمكن الحديث عن الخدمات والصحة والتعليم والتموين والتنمية وبالأمن يمكن بقاء الحياة واستمرارها وديموتها، وبدون الأمن سيظل كل هذا وسواه من متطلبات الحياة عرضة للعبث والتلاعب بل والاضمحلال والفناء.
الاغتيالات وأعمال التفجير المتواصلة التي تشهدها العاصمة والمحافظات المحررة لا تأتي صدفة ولا هي مجرد أعمال تخريب يراد منها إلحاق الضرر بالأفراد والمنشآت، بل إنها كما قلنا مرارا تمثل جزءً أصيلا من الحرب القذرة التي انطلقت ولم تنطفئ نارها ويبدو أنها لن تنطفئ قريبا.
هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها كلما قيل إن هذا التفجير أو ذاك الاغتيال نفذته داعش أو أحد نسخها اليمنية، وهو إذا كانت داعش والقاعدة وأنصار الشريعة يدعون أنهم يحاربون من يسمونهم بـ"الروافض"، والحوثيون وحليفهم علي عبد الله صالح هم النسخة اليمنية من ذلك الطرف: لماذا إذن لم نسمعهم استهدفوا عنصرا واحدا من هؤلاء؟ بل ولماذا غابت داعش وتفريخاتها عندما كان هؤلاء الخصوم (المفترضون ) يسيطرون على عدن ولحج وأبين وشبوة؟ والأكثر من هذا لماذا تستهدف عمليات داعش فقط وفقط القادة الجنوبيين الذين واجهوا من تسميهم داعش وأخواتها بـ"الروافض"، وليس "الروافض" أنفسهم؟ الإجابة على هذه الأسئلة تؤكد أن مظلة داعش ليست سوى مظلة مستأجرة من قبل أجهزة أمن عفاش وأنصاره وأن ما فشل فيه تحالف الحوافش في الجنوب يستكمله اليوم الدواعش (المفترضون) وبالتالي أن الدواعش والحوافش ليسوا سوى وجهين لعملة واحدة وظيفتها القتل والتدمير والتفجير والإرهاب المنطلق من نفس المركز والموجَّه من نفس الموجِّه.
يمكن الحديث عن أربعة أهداف رئيسية تكمن وراء استمرار أعمال التفجير والاغتيال التي تستهدف المحافظات المفترض أنها تحت سيطرة الحكومة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهذه الأهداف هي:
1. إثارة البلبلة والذعر والخوف مما يعطل حركة الحياة في هذه المناطق ويمنع أي استقرار ويشل من نشاط الناس العاملين في المرافق والمؤسسات ويربك حياة السكان جميعا.
2. استهداف الكفاءات الجنوبية النوعية فالملاحظ أن معظم العمليات تستهدف كفاءات جنوبية ذات تخصصات مهمة كرجال الأمن والقضاة والقادة العسكريين والسياسيين والناشطين الاجتماعيين.
3. استهداف منشآت مهمة يتوقف عليها عمل الأجهزة الأمنية في مواجهة العصابات الإجرامية.
4. محاولة إثبات أن من يديرون الشأن العام في المناطق المحررة ليسوا مؤهلين لتثبيت الأوضاع وبالتالي ليسوا قادرين لا على توفير الخدمات ولا تأمين المرافق ولا الحفاظ على حياة الناس ولا حتى حماية مرافق الدولة التي تديرها والغرض من كل هذا دفع الناس إلى اليأس والإحباط والحنين إلى أيام عفاش الكبير والعفافيش الأصغر.
إن الصراع القائم والذي تأتي هذه العمليات الإرهابية والتخريبية جزءً منه هو نفس الصراع بين الحياة والموت، بين المستقبل المشرق والماضي القاتم، بين المشروعية بما هي حياة وأمل ومستقبل وأمان واستقرار وبين اللامشروعية القادمة في عبوات الموت وحوادث الرعب والخوف والترهيب.
لن تستقر الأوضاع ألأمنية بدون جهاز أمني متكامل البنيان يبنى من العناصر الوطنية الشريفة والمعروفة بعدم ارتباطها بالنظام السابق، جهاز أمني يشمل كل متطلبات الأمن من كوادر تخصصية في البحث والتحري ومصادر المعلومة ونقاط التفتيش ووسائل الاتصال الحديثة والمواجهة الميدانية الكفيلة بتغيير ميزان القوى لصالح الأمن والأمان وقطع دابر الفتنة والإرهاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.
** رئيس مركز شمسان للدراسات والإعلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق